من هو الدكتورمحمد لمين دباغين
ولد الدكتورمحمد لمين دباغين بحسين داي في 24 جانفي 1917، وينحدر من عائلة عريقة جاءت إلى العاصمة من ضواحي شرشال، بدت عليه ملامح النبوغ والذكاء من صغره، فقد ارتقى من الصف التاسع إلى الصف الثاني ثانوي مباشرة نظرا للنتائج الباهرة التي حصدها، درس الطب بجامعة الجزائر35-1941 رغم أن تطلعاته كانت الهندسة التقنية، من مؤسسي جمعية الطلبة المسلمين بشمال افريقيا، وبفضله اقتحمت الحركة الوطنية الحرم الجامعي، ودعمت صفوفها بنخبة من الطلبة كان لهم دور في الحركة الوطنية والثورة التحريرية.
- تشبع بالفكر الوطني مبكرا من خلال قراءته لمقالات جريدة الأمة التي يصدرها حزب الشعب حسب شهادة زميله بن يوسف بن خدة، وبحلول سنة 1939 انخرط بصفوف حزب الشعب، وأصبح من المناضلين الناشطين في أوقات عصيبة تميزت بسجن مصالي الحاج وظهور جيل جديد من المناضلين الوطنيين، يختلف عن جيل الوطنيين الرواد في كونه متحصل على مستوى علمي وقادم من أوساط اجتماعية برجوازية حضرية نشأت في المدن.
- لمين دباغين هو أحد هؤلاء المناضلين الراديكاليين المثقفين، وصفه المؤرخ محفوظ قداش بُمنَظِر حزب الشعب، فكان بذلك نموذجا لعودة الفئات المثقفة والبرجوازية الوطنية للفضاء الثوري والنضالي، بعد سنوات من التيه في محاولات الاندماج في المنظومة الكولونيالية.
- بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وحل حزب الشعب وفي غياب مصالي الحاج الموجود في السجن، تم تعيين الدكتور دباغين على رأس الحزب، وقد ساهم إلى حد كبير في المحافظة على خلايا هذا التنظيم، كما ساهمت أفكاره في تقديم تصور سياسي جديد للمرحلة الثورية، منها دوره في بلورة وثيقة البيان الجزائري، الذي قدمه فرحات عباس بعد نزول الحلفاء عام 1942، وتأطيره للشباب الثوري المتحمس للعمل المسلح، بداية من 1944، حيث تأسست منظمة الشبيبة الجزائرية الثورية ولجنة شباب بلكور. وكان على عاتق كل من لمين دباغين ومحمد بلوزداد وطالب محمد، مهمة إصدار أمر الشروع في العمل المسلح في الليلة من 23إلى 24 ماي 1945، إلا أن المجازر التي ارتكبتها فرنسا في 08 ماي 1945 حالت دون ذلك،
- بعد الحرب ساهم الدكتور دباغين في تأسيس مكتب المغرب العربي في القاهرة، رفقة عبدالله فيلالي بعد اتصالاته بالحبيب بورقيبة من تونس، والمهدي بن بركة من المغرب، إيمانا منه بأن الثورة لن تنجح ما لم يكن لها سند خارجي.
- انتخب دباغين في نوفمبر ،1946، نائبا في المجلس الوطني بباريس ضمن قائمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية عن عمالة قسنطينة رفقة مسعود بوقادوم. وقد أثارت تدخلاته في جلسات البرلمان حفيظة النواب الفرنسيين، حيث كانت كلمته في 20 أوت 1947 مرافعة تاريخية من أجل الجزائر وشعبها ضد النظام الكولونيالي : "إن وجود فرنسا في الجزائر كوجود الألمان في باريس، لقد أعناكم على تحرير فرنسا من الألمان فأعينونا على تحرير الجزائر من فرنسا... إن الجزائر أمة وكانت سيدة وفقدت سيادتها فقط باعتداء سنة 1830". مما اثار حفيظة رئيس البرلمان يحاول مقاطعته عدة مرات لكنه لم يتمكن من ذلك.
- انعقد مؤتمر الحزب في فيفري ،1947 وكان جليا الانقسام بين دعاة الممارسة الانتخابية (الشرعيين) وبين لمين دباغين وغيره من الشباب الثوريين المؤمنين بالعمل المسلح (الراديكاليين)، الذين ضغطوا لتأسيس المنظمة الخاصة ولعب دباغين دروا في جلب الدعم المادي والعسكري، خاصة بعد لقائه مع أمين عام جامعة الدول العربية عزام باشا (أكتوبر 1948)، ففي إحدى دورات اللجنة المركزية سنة 1949، طرح سؤالا جريئا حين قال : "هل نحن نعمل للثورة أم لمجرد التوعية الوطنية؟ وإذا كان الحزب يعمل للتوعية فإن نتائج الانتخابات تبين أنه حقق هدفه، إذ أصبح الشعب كله وطنيا، وما علينا إلا أن نهنئ أنفسنا ويودع كل منا صاحبه، أما إذا كانت التوعية الوطنية مجرد مرحلة للعمل الجدي وهو الثورة، فإن الطريق الذي نسلكه الآن لا يقودنا إلا إلى الهدف المنشود، وإذا كنا حريصين على الثورة فيجب علينا أن نعيد النظر في خطة العمل، وفي المسؤولين على حد سواء، لنفسح المجال لرجال تربوا وتدربوا على العمل الثوري...".
- لما قامت الثورة اتفق القادة الست الذين فجروها، على الاتصال بالدكتور دباغين ليعرضوا عليه فكرة قيادة الثورة، لكنه رفض العرض المقترح قائلا : "لقد تحملتم مسؤولياتكم أما أنا الذي اتصلتم به في اللحظة الأخيرة فليس بإمكانه أن يبدي أي التزام ... سأرى لاحقا" لكنه في الواقع أبقى على احتمال التحاقه بالثورة واردا، وهو ما حدث في ديسمبر 1955 حيث عين على رأس الوفد الخارجي لجبهة التحرير في القاهرة ووجد صعوبات كبيرة في ممارسة مهامه في ظل معارضة محمد خيضر وأحمد بن بلة، والحقيقة أن الدكتور دباغين ورغم أنه كان عضوا في المجلس الوطني للثورة ولجنة التنسيق والتنفيذ ترفع خلال هذه المرحلة عن صراع الزعامة، ولم يساند أي طرف على حساب الطرف الآخر وفضل سياسة الحياد، وبحكم منصبه كعضو في لجنة التنسيق والتنفيذ واضطلاعه بالعلاقات الخارجية لجبهة التحرير، أدى دورا مهما في توسيع دائرة التعريف بالثورة في المحافل الدولية، هذه الحنكة الدبلوماسية هي التي جعلته يشغل وزارة الشؤون الخارجية للحكومة المؤقتة 1958، إلا أنه استقال يوم 15 مارس 1959. و قد برر ذلك من خلال مراسلاته في شهري أكتوبر و نوفمبر من نفس السنة.
- لم يحتفظ الدكتور دباغين بأي منصب سياسي وفضل بعد الاستقلال الانسحاب من الحياة السياسية مكتفيا بالعمل في عيادته بمدينة العلمة، وظل كذلك إلى أن توفي يوم 21جانفي 2003.
- قال فيه آيت أحمد : "كان الرجل مثقفا كبيرا ذا دقة كبيرة في التحاليل وكان له تأثير فكري حقيقي وأكيد، وفضلا عن ذلك لم يكن يمثل الحرس القديم وبالنسبة لنا أيضا بم يكن رجل فكر فقط بل رجل فعل أيضا".
- وصفه المؤرخ يحيى بوعزيز بأنه :" أحد المناضلين الكبار الذي شاءت الظروف أن تفرض عليه نوعا من الحصار والتعتيم، وشاء سلوكه هو أن يطبق عليه الصمت القاتم، إنه الحكيم دباغين الذي كان يمثل الرجل الثاني في حزب الشعب وحركة الانتصار بعد الزعيم مصالي خلال عقدي الثلاثينات والأربعينات، إنه رجل منظر وصاحب مواقف، له خبرة كبيرة في النضال يتسم بالهدوء ويفضل العمل بصمت وفي مجموعات ضيقة محدودة العدد ويبتعد عن الغوغائية ويميل إلى الدقة في اقتراحاته وتخطيطاته..."
- وصفه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في رسالته التأبينية : "رجل من الرعيل الأول ولا كالرجال، بل رجل انطوى في عزمه وهمته على عدة رجال ذلك هو الفقيد المجاهد الدكتور محمد الأمين دباغين، قضى 64 سنة من التفاني في العمل السياسي والاجتماعي ومن النزاهة والتواضع ونكران الذات والزهد في الشهرة والمنصب والابتعاد عن ترف الدنيا وأطماعها..."